ما هي خراريف؟

خراريف

التمهيد



تُعَدُّ الحكايات الشعبية المرويّة (الخراريف) جزءًا أصيلًا من ذاكرة الشعوب، ومرآةً لوجدانها الجمعي، وهي نصوصٍ تتوارثها الألسن جيلًا بعد جيل، تتشابك فيها الحقيقة بالخيال، والواقع بالأسطورة، وفي الخليج العربي كما في بقية الأوطان، شكّلت هذه المرويّات عالمًا ساحرًا، يمزج بين الخوف والفضول، وبين الحكمة الشعبية والدهشة الطفولية.

ومن بين هذه الروايات الاثنتا عشرة تتجلى ملامح المخيلة الشعبية في أبهى صورها، إذ تطلّ علينا شخوص أسطورية، مثل: «أم الدويس»، و«بابا درياه»، و«بو خطيف»، و«حمارة القايلة»، وغيرها من المرويّات التي جمعت بين الرهبة والإغراء، وبين الغموض والعِبرة، لقد كانت هذه الحكايات متنفسًا للأجداد لتفسير المجهول، وأدة لتأديب السلوك وتخويف الصغار، صاغوها في هيئة قصص تُروى للعِظة والاعتبار، سواء أكانت حقيقيّة أم متخيّلة.

وما يميّز هذه النصوص ليس فقط طابعها الحكائي المشوّق، بل كذلك قدرتها على التعبير عن روح المكان وزمانه، وعليه فإن هذه المجموعة التي بين أيدينا تنحدر جميعها من صميم البيئة المحلية، بما فيها من: (بحر، وصحراء، وجبال، وقرى)، وتعكس معتقدات الناس ومخاوفهم وهواجسهم، وتكشف في الوقت ذاته عن المخيلة العميقة التي كان الأجداد يصوغونها في صورة مخلوقات غامضة، وأبطال أسطوريين.

إن قراءة هذه الحكايات الاثنتا عشرة ليست تسلية فحسب، ولا رجوعًا إلى الماضي، بل هي استعادة لجزء من هويتنا الثقافية، وفهم أعمق لجذور المخيلة الشعبية، التي ما تزال ترفد أدبنا وفنونا حتى اليوم.




خروفة أم حديث خرافة ؟


شاع عند العرب في بلادنا أنهم إذا سمعوا كلاما غير مصدَّق أو قصصا خيالية أو كانت مستملحة ممتعة بحسب الموقف الذي تُذكر فيه؛ فإنهم يقولون مباشرة: هذي «خرّوفة» ويجمعونها على خراريف وكذلك تقول الجدات لأحفادهنّ هذه الليلة سأقصّ عليكم «خرّوفة»، وهم لا يعرفون غيرها فلا يقولون «خُرافة» مثلا كما هي في الفصحى ولا حتى خُرافي كما هو موجود في اللهجات العربية الأخرى.


و»الخرّوفة» بفتح الخاء وتشديد الراء وضمها هي القصص الخيالية التي اخترعها عربنا ليسلوا أنفسهم ويسمروا بها وأصلها الفصيح «خُرافة» بضم الخاء ومعناها القصص المستظرفة التي تروى ليلا ثم أصبحت علما على كل خبر كذب أو غير واقعي بعد ذلك، ولم يكن العرب يعلمون سبب تسمية هذه الأساطير بـ «خُرافة» بل كانوا كل ما يستظرفونه من القصص يطلقونه عليها، وقد قال معجم لسان العرب: (والخُرافة الحديثُ الـمُستَملَحُ من الكذب)، فهم لم يكونوا يعلموا بأصل اشتقاق هذه المفردة حتى أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصل اشتقاقها، تقول عائشة رضي الله عنها: حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه ذات ليلة حديثا فقالت امرأة منهن يا رسول الله كأن الحديث حديث «خُرافة» فقال عليه الصلاة والسلام أتدرون ما خرافة ؟ 



 إن خرافة كان رجلا صالحا من «عُذرة» أسرته الجنّ في الجاهلية فمكث فيهن طويلا ثم ردوه إلى الإنس فكان يحدث الناس بما رأى فيهم من أعاجيب فقال الناس حديث «خُرافة».رواه أحمد.


ومن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يتبين لنا بأن هذا الرجل الصالح من قبيلة بني «عذرة» القضاعية واسمه «خُرافة» ولعلّ اسمه مشتق من خُرافة النخل وهو ما خُرف من رطبها، وقد وصفه نبينا بأنه رجل صالح فهو لم يكذب على قومه بما رآه ورواه عن الجن ولكنهم كذبوه بما رأى، حتى قالوا كلّ ما يسمرون به في الليل ويستملحونه من الأساطير حديث «خُرافة» ولكن رسولنا الأمين صدّقه ولهذا نحن نصدّقه وإن كان المثل أكبر وأشهر من تصديقنا أو تكذيبنا وحتى في عاميتنا لم يسلم منّا «خُرافة العذري» وقلنا للقصص الخيالية «خرّوفة .





المصدر: صحيفة البيان - مقال جمال بن حوير - التاريخ: 11/70/3102